علم القدر الأعلى علم كان في منطقة دمياط الجغرافية .
كلنا نعلم وقرأنا سورة الكهف في القران الكريم . وقرأنا فيها قصة النبي موسى عليه السلام مع الرجل العبد الصالح الخضر عليه السلام عند ملتقى ومجمع البحرين .
والمنطقة الجغرافية التي هي ملتقى ومجمع البحرين . هي منطقة دمياط وعزبة البرج ورأس البر الجغرافية . لأن مجمع البحرين هي ملتقى نهر النيل والبحر المتوسط . وهو الأقرب لسيناء وطور سيناء الذي يتواجد فيه النبي موسى وأخيه النبي هارون عليهما السلام وقومهم .
ولم يكن وقتها موجود قناة السويس . فكان الأقرب لسيناء هو فرع نيل دمياط الذي يصب في البحر المتوسط . وهذا هو مجمع البحرين في دمياط وعزبة البرج التي تشتهر بالسفن وبعمل اهلها في البحر . والذين وصفوا في سورة الكهف بمساكين يعملون في البحر . ومنها السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام .
واليكم بالتفاصيل علم القدر من دمياط .
هل توقفت يوما لتتسائل عن سيدنا الخضر عليه السلام ؟هل هو نبي أم ولي أم عالم أم ماذا ؟ هل انتابتك الدهشة لهذا الذي جعله الله أكثر علما و حكمة و رحمة من نبي مرسل ؟ أتسائلت يوما لماذا كل هذا الإصرار أن يصل سيدنا موسى عليه السلام لبلوغ المكان الذي سيلاقي فيه سيدنا الخضر عليه السلام ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾ ولماذا سيدنا موسى تحديدا الذي قدر له من بين جميع الأنبياء و الرسل أن يقابل سيدنا الخضر الأكثر علما و رحمة؟ الأكيد أن هذه القصة تحديدا تختلف تماما عن كل القصص ، قصة موسى و العبد الصالح لم تكن كغيرها من القصص ، لماذا ؟ لأن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب ، و ليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي ، انما نحن في هذه القصة أمام علم من طبيعة أخرى غامضة أشد الغموض . علم القدر الأعلى علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة ، كما أسدلت على مكان اللقاء و زمانه و حتى الإسم ﴿ عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا ﴾ ، هذا اللقاء كان استثنائيا لأنه يجيب على أصعب سؤال يدور في النفس البشرية منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها . السؤال . لماذا خلق الله الشر والفقر والمعاناة والحروب والأمراض؟ لماذا يموت الأطفال ؟ كيف يعمل القدر ؟ البعض يذهب إلى أن العبد الصالح لم يكن إلا تجسيدا للقدر المتكلم لعله يرشدنا ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾ . أهم مواصفات القدر المتكلم أنه رحيم عليم أي أن الرحمة سبقت العلم . فقال النبي البشر ( موسى ) : ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ﴾ يرد القدر المتكلم ( الخضر ) : ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾ فان فهم أقدار الله فوق امكانيات العقل البشري ولن تصبر على التناقضات التي تراها . يرد موسى بكل فضول البشر : ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ﴾ هنا تبدأ أهم رحلة توضح لنا كيف يعمل القدر؟ يركبا في سفينة المساكين فيخرق الخضر السفينة . تخيل المعاناة الرهيبة التي حدثت للمساكين في السفينة المثقوبة . معاناة ، ألم ، رعب ، خوف ، تضرع . جعل موسى البشري يقول ﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ ..#عتاب للقدر كما نفعل نحن تماما .. أخلقتني بلا ذرية كي تشمت بي الناس؟ أفصلتني من عملي كي أصبح فقيرا ؟ أزحتني عن الحكم ليشمت بي الأراذل ؟ يارب لماذا كل هذه السنوات في السجن ؟ يارب أنستحق هذه المهانة ؟ ﴿ ألم أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار ؟ ثم يمضيا بعد تعهد جديد من موسى بالصبر . يمضي الرجلان . و يقوم الخضر الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم بقتل الغلام . ويمضي . فيزداد غضب موسى عليه السلام النبي الذي يأتيه الوحي . ويعاتب بلهجة أشد . ﴿ أقتلت نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾ تحول من إمراً إلى نكراً . والكلام صادر عن نبي أوحي إليه.. لكنه بشر مثلنا . ويعيش نفس حيرتنا . يؤكد له الخضر مرة أخرى ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ثم يمضيا بعد تعهد أخير من موسى كليم الله بأن يصمت و لا يسأل . فيذهبان إلى القرية ( دمياط ) فيبني الخضر الجدار ليحمي كنز اليتامى . وهنا ينفجر موسى . فيجيبه من سخره ربه ليحكي لنا قبل موسى حكمة القدر . ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا ً﴾#هنا تتجلى حكمة الإله و التي لن تفهم بعضها حتى يوم القيامة . الشر نسبي . ومفهومنا كبشر عن الشر قاصر .. لأننا لا نرى الصور الكاملة .والقدر أنواع ثلاث : ــ
شرا تراه فتحسبه شرا فيكشفه الله لك أنه كان خيرا فما بدا شرا لأصحاب السفينة . اتضح أنه خير لهم و هذا هو النوع_الأول . وهذا نراه كثيرا في حياتنا اليومية وعندنا جميعا عشرات الامثلة عليه .
النوع الثاني مثل قتل الغلام . شرا تراه فتحسبه شرا . لكنه في الحقيقة خير . لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك . فتعيش عمرك و أنت تحسبه شرا . هل عرفت أم الغلام حقيقة ما حدث ؟ هل أخبرها الخضر ؟ الجواب لا . بالتأكيد قلبها انفطر و أمضت الليالي الطويلة حزنا على هذا الغلام الذي ربته سنينا في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله و يمضي . وبالتأكيد . هي لم تستطع أبدا أن تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضا عن الأول . وأن الأول كان سيكون سيئا ﴿ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾ . فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم . ولم تستطع تفسيره أبدا . و لن تفهم أم الغلام أبدا حقيقة ما حدث إلى يوم القيامة . نحن الذين نمر على المشهد مرور الكرام لأننا نعرف فقط لماذا فعل الخضر ذلك ؟ أما هي فلم و لن تعرف .
النوع_الثالث من القدر و هو الأهم . هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري لطف الله الخفي . الخير الذي يسوقه لك الله و لم تره، و لن تراه ، و لن تعلمه . هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم ؟ لا . هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه ؟ لا . هل شاهدوا لطف الله الخفي . الجواب قطعا لا . هل فهم موسى السر من بناء الجدار ؟ لا . فلنعد سويا إلى كلمة الخضر ( القدر المتكلم ) الأولى : ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ . لن تستطيع أيها الإنسان أن تفهم أقدار الله ..الصورة أكبر من عقلك . استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما . ثق في ربك فإن قدرك كله خير .
و قُل في نفسك.. أنا لا أفهم أقدار الله .. لكنني متسق مع ذاتي و متصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها . لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا .. إذا وصلت لهذه المرحلة .. ستصل لأعلى مراحل الإيمان .. الطمأنينة .. و هذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله .. خيراً بدت أم شراً .. و يحمد الله في كل حال ..حينها فقط .. سينطبق عليك كلام الله ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ حتى يقول .. ﴿ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾#و لاحظ هنا أنه لم يذكر للنفس المطمنئة لا حساباً ولا عذاباً.. اللهم علمنا ماينفعنا و انفعنا بما علمتنا اللهم آمين . . خاطرة جميلة جدا ..و مناسبة لنفوسنا التي يخرها اليأس والبعد عن الله . اللهم اجعلنا ممن يحسنون الظن بك و يرضون بكل قدر كتبته لنا . اللهم أمين يارب العرش العظيم .
كتابة المقال . مهندس زراعي / محمد زكريا معيط . مدينة دمياط . مصر .
